تأملات شهر قلب يسوع الاقدس – اليوم العشرون

تأمل في محبة قلب يسوع

اليوم العشرون (تأمل في محبة قلب يسوع تحمل على محبة الأعداء):

إن شريعة موسى كانت تبيح للأنسان ان يبغض عدوهُ ويقاوم الشر بالشر.
ولكن شريعة المسيح هي بخلاف ذلك، لأنها اكمل بكثير من شريعة موسى.
فقد علمنا ربنا يسوع المسيح ان نحب أعدائنا ونحن إلى من يبغضنا ونصلي لمن يضلمنا ويطردنا لأننا إن أحببنا من يحبنا فلا فضلٌ لنا (متى 5 : 24 – 26). لأن هذه المحبة طبيعية في كل انسان.
ولكننا ان احببنا من يبغضنا اي اعدائنا اذ ذاك ترتفع محبتنا الى ما فوق الطبيعة وتكون شبيهة بمحبة ربنا يسوع نفسه الذي احب اعدائهِ واحسنَ إليهم ولم يميزهم في إحساناتهِ عن احبائه وأصدقائهِ انفسهم.

تأملات شهر قلب يسوع الاقدس – اليوم التاسع عشر

محبة يسوع لا تكون بدون محبة القريب

اليوم التاسع عشر (تأمل في ان محبة يسوع لا تكون بدون محبة القريب والأحسان إليه):

ان شئنا ان نرى في حياتنا الأيام الصالحة التي تعدنا بها عبادة قلب يسوع الأقدس لا يكفي ان نحيد عن الشر باجتنابنا الخطيئة ، بل يجب علينا علاوة على ذلك ان نصنع الخير ونحسن الى قريبنا الذي جعله الله بمنزلة نفسه فقال لنا: ((ان ما تفعلونه بأحد إخوتي الصغار فبيّ تفعلونه)) (متى 25 : 40).
وجعل محبة القريب بعد محبته بل جعلها شبيهة بمحبته فقال لمعلم الشريعة الذي سأله عن أعظم الوصايا: ((ان الوصية الأولى العظيمة هي ان تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك، والثانية تشبهها وهي ان تحب قريبك مثل نفسك. في هاتين الوصيتين سائر الناموس والأنبياء معلقون))  (متى 22 : 37 – 40).
فلم يكتف ربنا يسوع بأن يحبنا بل أوصانا ايضاً بأن يحب أحدنا الآخر كما أحبنا هو (يو 15 : 12). 

تأملات شهر قلب يسوع الاقدس – اليوم الثامن عشر

محبة قلب يسوع

اليوم الثامن عشر (تأمل في ان المحبة لقلب يسوع تدعو الى نبذ الخطيئة واجتنابها):

لما ظهر ربنا يسوع لأمته القديسة مرغريتا مريم أراها قلبه الأقدس محاطاً بأكليل من الشوك، ليفهمنا ان الخطايا التي يفعلها الناس هي مثل أكليل من شوك يؤلم قلبه الأقدس من جميع اطرافه كما آلم رأسه الالهي ذلك الأكليل الذي ضفرته له أمتّه الخاطئة، و سمعناه يتشكى كثيراً من الاهانات التي تصيبه من شعبه المسيحي خاصة، وما هذه الأهانات سوى انواع الخطايا التي تتجدد كل يوم بل كل ساعة على وجه الأرض.
فالخطيئة اهانة الله ومخالفة ارادته المقدسة ونواميسه الالهية، وتعطل مقاصده الأزلية فينا وتجعل جميع استحقاقات آلام وموته على الصليب بدون فائدة. ولأن من أراد حقاً ان يحب يسوع ويتقدم في محبته عليه قبل كل شيء ان يتجنب الخطيئة ولا سيما خطيئة الدنيا التي تميت عواطف التقوى، بل تميت الأيمان نفسه فيصير الأنسان جسدانياً، مادياً وأرضياً لا يهم بأمور الروح، ولا يستطيع ان يُقبل على عبادة قلب يسوع الأقدس لأنه لا يفهمها كما يؤيد لنا

تأملات شهر قلب يسوع الاقدس – اليوم السابع عشر

sacred_heart_jesus_17

اليوم السابع عشر ( تأمل مفاعيل التناول العجيبة):

قال الحكيم: ((أيأخذ الأنسان ناراً في حجره ولا تحترق ثيابه ؟)) ( أمثال 6 : 27). وكذلك يمكننا ان نقول عمن يحسن تناول القربان المقدس فأنه يشعر بحرارته ومفاعيله التي لا تقف عند منعنا عن الخطيئة، بل تحول حياتنا كلها فنصير أبناء الله، كما يتحول الخبز بكلمات التقديس الى جسد يسوع المسيح نفسه وهذا التحويل يكون خاصة في عقولنا وارادتنا وقلبنا وشهوتنا الحسية. فالعقل يتغير بالأنوار السماوية والعلوية التي يفيضها علينا التناول، فتزيح ظلمات الجهل وأضاليل الشهوات وترينا الحق حقاً والباطل باطلاً. والإرادة تتغير بالقوة التي يخولنا اياها التناول لنقهر عاداتنا السيئة ونظفر بالفضائل المخالفة لها. والقلب يتغير بالتناول لأنه يجعله يقمع الشهوات الرديئة ويرفع عواطفنا عن محبة الأرضيات والخلائق وبنقلها الى محبة الخيرات السماوية. والشهوة الحسية تتغير بالتناول لأنه يطفnء نيرانها لا دفعة واحدة بل تدريجياً وبقدر ما تزيد المحبة، بموجب قول القديس أوغسطينس: ((كلما ارتفعت المحبة الى فوق هبطت الشهوة الى أسف وبادت)). هذه هي مفاعيل التناول العجيبة التي نشاهدها في القديسين الذين كانو في اول امرهم ضعفاء ناقصين فأضحوا أشداء أقوياء ، وكانو أرضيين وخشني الأخلاق والطباع فأضحوا روحانيين وديعين. فاذا كان الأمر كذلك فلماذا نرى الآن كثيراً من المؤمنين يتناولون بإستمرار ومع ذلك لا يتغيرون ولا يصطلحون؟ إنهم لا يتغيرون لأنهم لا يحسنون التناول ولا يفهمون مقاصدهُ، فإن يسوع يأتي اليهم ليقدسهم، وهم لا يريدون القداسة بل البقاء على رذائلهم وخطاياهم. لا يتناولون لكي ينموا في محبة يسوع فتضعف شهواته يوماً فيوماً بل يتناولون كما يتناولون طعاماً مادياً بدون نية ان يصلحوا سيرتهم ويغيروا عاداتهم الذميمة. وعلى هذه النفوس كان قلب يسوع الأقدس يُكلم القديسة مرغريتا مريم غالباً ويقول لها: ((أبكي ونوحي دائماً لأن دمي يسكب باطلاً على كثيرين يكتفون بقطع الحشيش الخبيث المرتفع في قلوبهم ولا يريدون ان يقلعوا اصوله)). فكم من تناولات تعدها جيدة وهي في حكم الله غير ذلك ، وقد تكون لشجبنا لا لخلاصنا الأبدي.

خبر:

ان القديسة أيملدة لمبرتيني من رهبانية القديس عبدالأحد، أمتازت منذ حداثتها بحب شديد ليسوع عروسها السماوي، وإذ علمت انه موجود حقاً في القربان المقدس كان شوقها الى قبوله يشتد يوماً بعد يوم، ولا سيما عند مشاهدتا أخواتها الراهبات يتناولنه، ومع ذلك لم تأذن لها رئيسة الدير بأن تقترب من المائدة المقدسة لصغر سنها.
ولكن من يقدر ان يمسك يد الله عن العطاء متى أراد ان يجزل احساناته لنفس طاهرة. ففي عيد الصعود بينما كانت الراهبات يذهبن الواحدة تلو الأخرى ليتناولن، وكانت أيملدة وحدها بعيدة عن المائدة المقدسة أستطاعت بكثرة تنهداتها وصلواتها ان تقرب الله منها، فنزل قربان من السماء على مشهد من جميع الراهبات المتعجبات ووقف على رأس أيملدة. ففهم الكاهن إذ ذاك ارادة الله، فجاء وأخذ القربان المقدس وناول الفتاة أيملدة. فلم يسعها هذه الفتاة المغبوطة ان تهبط فرحها فأطبقت عينيها وطارت نفسها الى الأخدار السماوية.

تأملات شهر قلب يسوع الاقدس – اليوم السادس عشر

sacred_heart_jesus_16

اليوم السادس عشر ( تأمل في تناول القربان المقدس يسدُ حاجتنا)

ان العبادة لقلب يسوع الأقدس ليست من باب الأطلاق إلا ممارسة المحبة، فاذا علمنا جيداً حقيقة التناول فهمنا كفاية انه ما من طريقة توقد في قلوبنا نار محبة يسوع اكثر من تقدمنا بتواتر لقبول سر محبته العجيب. قالت القديسة آنجلا دي فولينيو (ايطاليا 1260 – 1309): ((لو تأملت النفس وأنعمت نظرها فيما يجري في هذا السر الألهي لتحول جليد قلبها البارد الى لهيب حب وإمتنان اذ ترى ذاتها محبوبة حباً عجيباً)). إن التناول يولينا حياة يسوع ( 2 بط 1 : 4 ). وهذه الحياة كلها قداسة وبرارة وسلام وغبطة. بالتناول نسلم من فساد العالم ونخبر بفضائل ذلك الذي دعانا من الظلمة الى نوره العجيب ( 1 بط 2 : 9 ). فيا للحزن العظيم الذي نسببه لقلب يسوع بإمتناعنا عن التناول وعدم التفاتنا الى سر القربان المقدس. إن هذا المخلص الإلهي قال يوماً لأمته الجليلة مرغريتا مريم: ((تناوليني ما أستطعتِ)) وقال لها أيضاً : ((تذوب نفسي عطشاً الى ان يحبني البشر ويكرمونني في سر محبتي، ولكني لا أرى من يجتهد بتكميل رغبتي ويروي غليلي ويكافئني بعض المكافأة)).ولذا طلب منها ان يتناوله المؤمنون في كل أول جمعة من الشهر وليكن تناولهم إياه للتعويض عن الأهانات التي تصيبه في القربان المقدس ووعدها بأن الذين يمارسون هذا التناول بإتقان يهبهم نعمة التوبة عند الموت فلا يموتون بدون ان يقبلوا الأسرار الاخيرة.فغاية قلب يسوع الأقدس من وضعه التناولات التسعة المتوالية في كل أول جمعة من الشهر شرطاً للفوز بالحياة الأبدية، ليست إلا ان يعودنا رويداً رويداً الإكثار من قبول سر القربان المقدس، إذ ان قبوله مرة واحدة في السنة لا يجدي النفس نفعاً كما لو قبلته مراراً عديدة. ولما كنا في عبادة قلب يسوع الأقدس نمارس أفعال محبته، كانت التناولات المتواترة أجدر من سواها بإعطائنا حياة الله وانمائها فينا لنظفر من ثمة بحياة الأبد قياماً بوعد قلب يسوع.

خبر:

يحكى ان امرأة غير متدينة، كانت تشعر في داخلها بشوق شديد الى العبادة وخبز القربان المقدس، متأكدة ان النفس لا حياة لها بدون هذا الخبز السماوي، غير انها لم تجد في حياتها ما يسكن لظى شوقها هذا ويريح نفسها. فعلمت بعد البحث الطويل انها لا تجد ضالتها إلا في الإنجيل المقدس، فأخذت تبذل غاية جهدها لتعيش ايمانها المسيحي الذي يستطيع وحده ان يحقق رغبة قلبها ويعطيها ما هي بحاجة اليه، فقامت في وجهها صعوبات كثيرة وموانع عديدة غير انها تغلبت على جميعها وتمكنت في الآخر ان تعيش حياة مسيحية مثالية مع لفيف اولادها وعائلتها وعدد كبير من النفوس العطشى مثلها الى المنّ السماوي الذي لا حياة لنا بدونه.

تأملات شهر قلب يسوع الاقدس – اليوم الخامس عشر

sacred_heart_jesus_15

اليوم الخامس عشر ( تأمل في حاجتنا الى الله)

كل نفس تشعر بحاجة الى الله، وحاجتها هذه لا يستطيع غير الله ان يسدها لأن لا شيء يقدر ان ينوب مناب الله.
ولذا نرى الأنسان منذ بدء وجوده يطلب الله ويتوق اليه ولا يقدر ان يستغني عنه.
إن الخلائق وخيرات الأرض تقدر ان تلهينا عن الله ولكنها لا تستطيع قط ان تمنع حاجتنا اليه.
إن الملك سليمان الحكيم بعد كل ما إشتهى قلبه من خيرات الأرض وأفراح الدنيا اعترف في الآخر ان جميع هذه الخيرات وهذه الأفراح باطلة وكآبة للروح ( جامعة 2 : 11 ).
وسمعنا داؤد أباه يصرخ أكثر من أبنه بشوق نفسه الى الله فقال: (( اللهم أنت الهي واليك أبتكر، عطشت نفسي اليك، أشتاق اليك جسدي)) (مز 62 : 2).
فهذا الصوت هو صوت كل نفس، وهذا العطش لا يرويه غير الله كما ان عطش الجسد لا يرويه غير الماء الزلال.
وهذا ما يفهمنا اقبال كل انسان على عبادة الله في كل مكان وزمان منذ تكوينه على الأرض، فأنه إذ جهل الله الحق، عبد عوضه الأوثان، حتى جاء المسيح فنادانا قائلاً: تعالوا الي ولا تعبدوا غيري انا الأله الذي لا يستطيع غيري ان يشبع جوعكم ويروي عطشكم. 
وفي هذه الأيام يرى الله الأنسان قد ظل عنه ويحب الأرضيات والماديات وبردت محبته له، فدعاه اليه بعبادة قلبه الأقدس ليهبنا ذاته ويسد عوزنا بقبولنا سر القربان المقدس الذي هو روح عبادة قلب يسوع غذاؤنا، لأن هذه العبادة بدون القربان المقدس تكون كجسد بلا روح ولكل حي طعام وبدون هذا الطعام يكون ميتاً.
فالجسد يحيا بالطعام، والنبات يحيا بالطعام، والحيوان يحيا بالطعام، والطير يحيا بالطعام، وكذلك العبادة لقلب يسوع الأقدس تحيا بالطعام وطعامها القربان المقدس.

تأملات شهر قلب يسوع الأقدس – اليوم الرابع عشر

sacred_heart_jesus_14

اليوم الرابع عشر (تأمل في دعوة قلب يسوع الى جميع الناس اليه):

تعالو اليّ جميعاً (متى 11 : 28) فأستمعوا بني البشر وتعجبوا من لطافة هذه الكلمات فرط حلاوتها حتى ان القديس باسيليوس السلوقي يقول في التعليق عليها: تعالوا الي جميعاً فأني لا أضع حداً لمواعيدي، وقلبي ينبوع الجودة التي لا تنفذ، يمحو آثامكم وخطاياكم.
تعالوا الي جميعاً فأريحكم، أعرضوا علي أسقام خطاياكم فأعالجها، اظهرو جروحاتكم فأضع عليها المرهم.
تعالو الي جميعاً فأن قلبي رحب يسعكم جميعاً وبحار جودتي فسيحة لقبول اجواق الخطأة الذين كالأنهار يلقون نفوسهم فيها لكي يغرقوا زلاتهم ومآثمهم.
تعالوا الي جميعاً إذ لابد لقولي من مفعول فأنه شبكة ألقيتها في بحر العالم لأصطاد البشر واقيدهم بها.
تعالوا الي جميعاً. ياللصوت القدير الذي انتصر على جميع الأمم ويا للكلمة العلوية قد أسّرت المسكونة كلها تحت نير الأيمان بسلطتها واقتدارها. تعالو جميعاً الى قلبي، تعالو ايها الأطفال الى قلب يسوع فأن محبته أشد من محبة أمهاتكم لأن محبتهنّ ظل بجانب ما يحبكم هذا القلب الحبيب.
تعالوا ايها الشيوخ الى قلب يسوع فأنه يرجع عليكم شبابكم لتصبحوا كالنسر.
هلموا ايها الأبرار الى قلب يسوع حتى اذا ما تحصنتم في هذا الملجأ الأمين أرتقيتم يوماً فيوماً من فضيلة الى فضيلة.
تعالوا ايضاً ايها الخطأة بأجمعكم الى قلب يسوع فأن كانت خطاياكم كالقرمز فيبيضها كالثلج (أشعيا 1 : 18).
فيا ايتها النعجة الضالة من بيت اسرائيل، يا نفساً بائسة أعياها تعب طريق الآثام، لعلكِ تقولين وانت في تلك الحالة التي أوصلتكِ اليها اضاليلكِ، لقد خذلني الرب ونسيني سيدي (أشعيا 49 : 14)، ولكن أسمعي ما قاله الرب للقديسة آنجلا: ان اولادي الذين عدلوا عن طريق ملكوتي بخطاياهم وصاروا عبيداً للشياطين، متى رجعوا اليّ أنا أباهم فأقبلهم ويفعمني ارتدادهم فرحاً وأمنح نفوسهم الخاطئة نعماً لا أمنحها دائماً لنفوس تقية، ولذا من أرتكب خطايا جسمية يمكنه ايضاً ان ينال نعمة عظيمة ويحظى برحمة كلية.

تأملات شهر قلب يسوع الاقدس – اليوم الثالث عشر

sacred_heart_jesus_13

اليوم الثالث عشر (تأمل في الحب الأسمى):

ان محبة الله لنا لم تنته الى أقصى حدودها بتجسده في احشاء مريم العذراء وبآلامه وموته على الصليب.
ان هذه المحبة العظيمة والشديدة لم تكن إلا بداية لمحبة أعظم وأشد حيرت العقول، وقد أعلن لنا ربنا يسوع المسيح هذه المحبة بغايتها القصوى برسمه سر القربان المقدس.
إن المحبة تقرب القلوب بعشهما من بعض وغايتها القصوى الأتحاد باللذين تحبهم. ولما كان ربنا يسوع قد أحبنا للغاية (يو 13 : 1) ألجأته محبته هذه الى الأتحاد بنا فرسم لذلك سر القربان المقدس تاركاً لنا ذاته في هذا السر تحت أشكال الخبز والخمر، ويدعونا الآن الى قبوله ليحيا فينا ونحيا فيه، ليثبت فينا ونثبت فيه، فيدرك الحب غايته القصوى وندرك نحن أيضاً غاية كمالنا المسيحي.
لأننا بدون ان نثبت في المسيح لا حياة ولا خلاص لنا كما أكد لنا ذلك ربنا يسوع المسيح نفسه بقوله لنا ((إن لم تأكلو جسد أبن البشر وتشربو دمه فليس لكم حياة في ذاتكم. من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه. من يأكلني يحيا لأجلي)) (يو 6 : 54 ، 57 ، 58). 
وما هذه الحياة لأجل الله إلا الحياة الحقيقية التي تولينا القداسة وتبعدنا عن النجاسة وتقيمنا في اليوم الآخر عن جنب اليمين.
لاشك ان خالق النفس على صورته ومثاله عالم بأن هذه النفس لا يشبع جوعها ولا يروي عطشها الى الخيرات والأفراح والمسرات بغيره تعالى، كما ان عطشه الى محبتنا لا يشفي غليله غير اتحادِه بنا، فقدم لذلك الينا ذاته الألهية في سر القربان الأقدس، وفي تناولنا اياه نجد كفايتنا ومسرتنا فنبتعد عن الخلائق وعن الخطيئة ونأتي بثمار كثيرة لحياة الأبد.
فيا للحب الذي يجهلهُ كثيرون ولا يعرفه غير القليلين. واليوم تهدينا الى معرفته عبادة قلب يسوع الأقدس وتدعونا في الوقت نفسه الى مقابلته بتناولات مستمرة.

تأملات شهر قلب يسوع الاقدس – اليوم الثاني عشر

sacred_heart_jesus_12

اليوم الثاني عشر (تأمل في شدة محبة الله للأنسان):

تعجب أيوب الصديّق من محبة الله للأنسان فقال في تعجبه هذا: ((من هو الأنسان حتى تعظمهُ وتضع عليه قلبك)) (أيوب 7 : 17).
وقال داؤد النبي: ((من هو الأنسان حتى انك تذكره وأبن آدم حتى انك تتفقدهُ)) (مز 8 : 5).
وفي الحقيقة ان الأنسان بجسده خليقة حقيرة كثيرة البؤس والشقاء ولكنه بنفسه جليل القدر وعظيم الشأن لأن نفسه مخلوقة على صورة الله ومثاله (تك 1 : 26)، ومن حيث ان الأنسان مخلوق بنفسه على صورة الله ومثاله يحبه الله محبة الأب لأبنه ومحبة الأم لولدها وفلذة كبدها.
ولكن محبة الأب لأبنه ومحبة الله للأنسان تفوق بما لا يحد محبة الأب لأبنه ومحبة الأم لولدها لأن ما صنعه الله وحبه للأنسان لم يصنعه أب لأبنه ولا أم لولدها ولا صديق لصديقه ولا عروس لعروسها، مهما تفاقمت محبتهم وبلغت أشدها.
وهذا الصنيع العظيم والعجيب هو: ((أجل لما كنا خطأة، مات المسيح في الوقت المحدد من أجل قوم كافرين، ولا يموت أحد من أجل امرىء بار.. أما الله فقد أظهر محبته لنا، إذ مات المسيح من اجلنا اذ كنا خاطئين)) (رومية 5 : 6 – 8).
فيا للحب الذي لا مثيل له، أننا أخطأنا وأسخطنا الله ومن أجل ذلك صار يسوع مخلصاً لنا لأنه أحبنا ولا يريد هلاكنا.
هذا ما أوضحه لنا القديس يوحنا الرسول بقوله: ((بهذا تبينت محبة الله لنا، ان الله ارسل أبنه الوحيد الى العالم لنحيا به)) وزاد قائلاً: ((في هذا هي المحبة ليس اننا أحببنا الله بل انه هو أحبنا وأرسل ابنه غفراناً لخطايانا)) (يو 4 : 9 – 10 ).
وفي هذا العمل حقيقة المحبة وشدتها وكمالها. فهذه محبة الله الشديدة للبشر كافة. هذه هي المحبة المنقطعة النظير التي تفوق كل محلة بشرية وملائكية جهلها الأنسان او تغافل عن معرفتها، ولذا التزم ربنا يسوع في شديد حبه لنا أيضاً ان يوحي الينا بعبادة قلبه الأقدس على يد امته القديسة مرغريتا مريم ليذكرنا بشديد حبه لنا الذي تشير اليه لهبات النار الصاعدة من قلبه أتون المحبة ويدعونا في الوقت نفسه الى محبته لأنه من الواجب علينا ان نحب الله الذي أحبنا ووضع نفسه عوضنا (1 يو 3 : 16).
وفضلاً عن ذلك ان من جهل محبة الله له، تاه عنه وثبت في شروره وخطاياه ((لأن ليس لنا خلاص بغيره)). أما من عرف محبة الله وأحبه وجد في محبته هذه كثرة الخيرات وخلاصه الأبدي وسعادته الدائمة.

تأملات شهر قلب يسوع الاقدس – اليوم الحادي عشر

sacred_heart_jesus_11

اليوم الحادي عشر (تأمل في رأفة قلب يسوع وتحننه على البشر ):

أقرن الرب يسوع بصفاته السنية ومزاياه العلوية حنواً تجاوزَ الحدود فقال: أن تنعمي بين بني البشر ( أمثال 8 : 31 ).
أما وداعته فقد تفاقمت عذوبة حتى انها أثرت في قلوب اعدائه الألداء أنفسهم، فأنهم قدموا أمامه امرأة زانية فلم يرذلها بل أخزى المشتكين عليها. فترك الخطأة ان يقتربوا منه لا بل خالطهم وأراد ان يُدعى مُحب العشارين والخطأة، بل من تشاهد منطرحاً على قدميه المقدستين متخذاً أياهما مأوى وملجأ ؟ .
أنك تشاهد المجدلية الخاطئة الشهيرة التي غفر لها بفعل واحد من محبته كل ما أرتكبت من الآثام وسببت من الشكوك. فيا أيتها المجدلية السعيدة لستِ انت التي خطوت الخطوة الأولى نحو هذا المعلم الألهي، بل هو الباديء الذي قرعَ باب قلبك وتوقع ان تأتي وتنطرحي على قدميه وتغسليهما بدموعكِ وتمسحيهما بشعر رأسكِ ، فقد غفر لكِ كثيراً لأنكِ أحببتِ كثيراً أو بالأحرى لأنه أحبكِ كثيراً.
أبدى المسيح عنايته حتى بالأطفال وهم غير قادرين ان يعرفوه ، لكنهم أنجذبوا اليه بمجرد وداعته، ولما أراد الرسل ان يطردوهم منعهم قائلاً : (( دعوا الصبيان يأتون اليّ )).
فباركهم وأحتضنهم ولاطفهم، اذا تركهم ابواهم أعتنى هو بهم. فأن نسيت الأم بنيها فهو لا ينساهم.
أفما رأيتَ كيف قبِلَ الأبن بنيها فهو لا ينساهم.
أفما رأيتَ كيف قبل الأبن الشاطر الذي انطرح على قدميه وقال لأبيه : (( لست أهلاً لأن أدعى لكَ إبناَ )) ؟ أما هو فبادر اليه وعانقه وضمه الى صدره والدموع تهطل من عينيه.
وحالما اظهر علامات الندم أعاد اليه حقوق الوراثة والأنعطاف الوالدي. جال هذا الراعي الصالح وهو يحسن وينعم فرأى حظيرته قد كثر مرضاها وثخنت جراحاتها وسكب عليها زيتاً وخمراً وأبراها.
فتح عيون العميان وشفى المقعدين، أبرأ العرج وشفى البرص.
بكت أم على وحيدها فتحنن قلبه عليها، لأنه يشعر بشدة الأوجاع التي تمزق قلبه الطاهر عندما تموت احدى النفوس بالخطيئة، فتقدم ولمس النعش وقال : (( ايها الشاب لكَ أقول قُم )) ثم دفعه الى امه. شاهِدهُ على قبر لعازر الذي دعاه حبيبه، فبكى عليه حتى ان اليهود لم يتمالكو ان صرخوا قائلين : أنظرو طيف كان يحبه. ( 11 : 36 ) .
وماذا تقول عن كيفية سلوكه مع تلاميذه انفسهم ؟ وبكم من الصبر الجميل احتملهم ؟ فقد خانه يهوذا ، أما هو فما زال يلقبه بأسم صاحب قائلاً : يا صاحب أبهذا أتيت ( متى 26 : 50 ) أنكره بطرس فألتفت اليه بلطف ودون ان يوبخه او يشكو منه، أبكاه بكاءاً مراً.
ونقول باجمال: ان حياة المخلص لم تكت إلا وداعة وحلما ومحبة للبشر .