قصة يونان النبي (البابا شنودة الثالث)

قصة يونان النبي

إن قصة يونان النبي هي قصة صراع بين الذات الإنسانية والله. ويونان النبي كان إنسانا تحت الآلام مثلنا. وكانت ذاته تتعبه. ونود في هذا المقال أن نتأمل صراع ذاته مع الله…

الذي يريد أن يسير في طريق الله، ينبغي أن ينكر ذاته، يجحدها وينساها، ولا يضع أمامه سوى الله وحده. ومشكلة يونان النبي أن ذاته كانت بارزة ومهمة في طريق كرازته. وكانت تقف حائلا بينه وبين وصية الله، ولعله كثيرا ما كان يفكر في نفسه هكذا:

ما موقفي كنبي، وكرامتي، وكلمتي، وفكرة الناس عني؟؟ وماذا أفعل إذا اصطدمت كرامتي بطريقة الله في العمل؟

كلفه الله بالذهاب إلي نينوى، والمناداة بهلاكها… وكانت نينوى عاصمة كبيرة فيها أكثر من 120000 نسمة.

ولكنها كانت أممية وجاهلة وخاطئة جدا، وتستحق الهلاك فعلا. ولكن يونان أخذ يفكر في الموضوع:
سأنادي علي المدينة بالهلاك، ثم تتوب، ويتراءف الله عليها فلا تهلك.

ثم تسقط كلمتي، ويكون الله قد ضيع كرامتي علي مذبح رحمته ومغفرته. فالأفضل أن أبعد عن طريقه المضيع للكرامة!!

وهكذا وجد سفينة ذاهبة إلي ترشيش، فنزل فيها وهرب. لم يكن يونان من النوع الذي يطيع تلقائيا. إنما كان يناقش أوامر الله الصادرة إليه، ويرى هل توافق شخصيته وذاته أم لا.

ليس كذلك الملائكة. إنهم يطيعون بغير مناقشة، وبغير تردد. إن الله كلي الحكمة، وهم مجرد منفذين لمشيئته، وليسوا شركاء له في التدبير حتى يناقشوا أو يعترضوا…

سواء كان الأمر رحمة أو قصاصا، يطيع الملائكة بلا نقاش: يأمر الله أحدهم أن يذهب ليسد أفواه الأسود منقذا دانيال، فيطيع. وبنفس الطاعة يذهب الملاك الذي يأمره الرب بقتل جميع أبكار مصر. ملائكة يأمرهم الله بإنقاذ بطرس من السجن، أو بإنقاذ بولس، أو بإنقاذ لوط، أو بافتقاد هاجر، فيطيعون.
وبنفس الطاعة ينفذ أمره الملائكة الذين يبوقون بالأبواق في سفر الرؤيا فتنزل الويلات علي الأرض تحطمها تحطيما. لا يقولون عفوا يا رب، أشفق وأرحم، وأبعدنا عن هذه المهمة.
وظيفتهم هي التنفيذ، وليس التدبير أو التفكير. إنهم متواضعون، لا يعتبرون أنفسهم أحن على الناس من الله خالقهم.

يذكرنا هذا بقوانين الأحوال الشخصية، ومنع الطلاق إلا لعلة الزنا، وعبارات الحنو التي يدافع البعض عن زواج المطلقات، كأنهم أكثر حبا وعطفا وحنانا من المسيح الذي وضع الوصية…

أما نحن فوظيفتنا هي التنفيذ وليس المناقشة. لا نريد أن نعمل مثل يونان، الذي تلقى الأمر من الله، فناقشه ثم رأى الحكمة في مخالفته… وهكذا استقل سفينة ليهرب من الرب! مسكين هذا الإنسان الذي يظن أنه يقدر علي الهروب من الله! ترى إلي أين يهرب؟!

مهما هربت من الوصية ستجدها تطاردك حيثما كنت. ترن في أذنيك وتدور في عقلك، وتزعج ضميرك…

إن كلمة الرب قوية وفعالة، ومثل سيف ذي حدين، وتستطيع أن تخترق القلب والعقل، وتدوي في أرجاء الإنسان.

هرب يونان إلي ترشيش، ونسي أن الله موجود في ترشيش أيضا. وركب السفينة وهو يعلم أن الله هو إله البحر، كما أنه إله البر أيضا. ولم يشأ الله أن يصل يونان إلي ترشيش، وإنما أمسكه في البحر، وهيج الأمواج عليه وعلى السفينة كلها… والعجيب أن يونان كان قد نام في جوف السفينة نوما عميقا. لا أيقظه الموج، ولا صوت الأمتعة وهي تلقي في الماء، ولا صوت ضميره!!

نام يونان، لم يهتم بمشيئة الله وأمره، ولم يهتم بنينوى وهلاكها أو خلاصها، ولم يهتم بأهل السفينة وما تجره عليهم خطيئته… لكنه تمركز حول ذاته، وشعر أنه حافظ على كرامته فنام نوما ثقيلا…

هذا النوم الثقيل كان يحتاج إلي إجراء حاسم من الله: به ينقذ ركاب السفينة جسديا وروحيا، وينقذ مشيئته من جهة نينوى وخلاصها، وينقذ نفس هذا النبي الهارب، ويعلمه الطاعة والحكمة. مستبقيا إياه في خدمته بطول أناة عجيبة، على الرغم من كل أخطائه ومخالفته…

ومن هم جنودك يا رب الذين ستستخدمهم في عمليات الإنقاذ الكبرى هذه؟ يجيب الرب عمليًا:

عندي الموج، والرياح، والبحر، والحوت، والشمس، والدودة، واليقظة… إن كانت خليقتي العاقلة لم تطعني، فسابكتها بالجمادات والحيوانات.

وهكذا أمر الله الرياح، فهاج البحر، وهاجت أمواجه، وصدمت السفينة حتى كادت تنقلب. وازداد هيجان البحر، لأن أمر الرب كان لابد أن ينفذ وبكل سرعة، وبكل دقة.

وتصرف ركاب السفينة بحكمة وحرص شديدين… وبذلوا كل جهدهم الفني، وصلوا كل واحد إلى إلهه وألقوا قرعا ليعرفوا بسبب من كانت تلك البلية، فأصابت القرعة يونان.

الوحيد الذي لم يذكر الكتاب أنه صلي كباقي البحارة، كان يونان. وحتى بعد أن نبهه أو وبخه رئيس النوتية، لم يلجأ إلي الصلاة. كأن عناده أكبر من الخطر المحيط به…

حاول البحارة إنقاذ يونان بكافة الطرق فلم يستطعوا. واعترف يونان أنه خائف من الله الذي صنع البحر والبر!! إن كنت خائفا منه حقا، نفذ مشيئته. ما معني أن تخافه وتبقي مخالفا؟ ولكن كبرياء يونان كانت ما تزال تسيطر عليه. إن الإنسان إذا تعلق بذاته وكرامته، يمكن أن يضحي في سبيل ذلك بكل شيء… كان يونان يدرك الحق، ومع ذلك تمسك بالمخالفة، من أجل الكرامة التي دفعته إليها الكبرياء، فتحولت إلي عناد… قالوا له: ماذا نصنع بك ليسكن البحر عنا؟. فأجابهم: خذوني واطرحوني في البحر وهنا أقف متعجبا!!

علي الرغم من كل هذه الإنذارات والضربات الإلهية، لم يرجع يونان. لم يقل أخطأت يا رب في هروبي، سأطيع وأذهب إلي نينوى… فضل أن يلقي في البحر، ولا يقول أخطأت..!

لم يستعطف الله. لم يعتذر عن هروبه. لم يعد بالذهاب. لم يسكب نفسه في الصلاة أمام الله. إنما يبدو أنه فضل أن يموت بكرامته دون أن تسقط كلمته!! وهكذا القوة في البحر…

أما مشيئة الله فكانت لابد أن تنقذ. هل تظن يا يونان أنك ستعاند الله وتنجح؟! هيهات، لابد أن تذهب مهما هربت، ومهما غضبت. أن الله سينفذ مشيئته سواء أطعت أم عصيت، ذهبت أم هربت…

ألقي يونان في البحر، وأعد الرب حوتا عظيما فابتلع يونان.

يا يونان، صعب عليك أن ترفس مناخس. إن شئت فبقدميك تصل إلي نينوى. وإن لم تنشأ فستصل بالبحر والموج والحوت. بالأمر، إن لم يكن بالقلب.

وفي جوف الحوت وجد يونان خلوة روحية هادئة، ففكر في حاله. إنه في وضع لا هو حياة، ولا هو موت. وعليه أن يتفاهم مع الله، فبدأ يصلي. إنه لا يريد أن يعترف بخطيئته ويعتذر عنها، وفي نفس الوقت لا يريد أن يبقى في هذا الوضع. فاتخذ موقف العتاب، وقال: دعوت من ضيقي الرب، فاستجابني… لأنك طرحتني في العمق… طردت من أمام عينيك.

من الواضح أن الله لم يضع يونان في الضيق، ولم يطرحه في العمق، ولم يطرده ولكن خطيئة يونان هي السبب.

هو الذي أوقع نفسه في الضيقة، ثم شكا منها، ونسب تعبه إلي الله… ولكن النقطة البيضاء، هي أنه رجع إلي إيمانه في بطن الحوت. فآمن أن صلاته ستُستَجاب، وقال للرب: أعود أنظر هيكل قدسك. آمن أنه حتى لو كان في جوف الحوت، فلابد سيخرج منه ويري هيكل الرب.

أتت هذه القضية الكبرى بمفعولها. ونجح الحوت في مهمته. والظاهر أن يونان نذر نذرا بأنه إن خرج من جوف الحوت، سيذهب نينوى لأنه قال للرب وهو في جوف الحوت أما أنا فبصوت الحمد أذبح لك، وأوفي بما نظرته 2:9. أي نذر تراه غير هذا؟! ثم إنه لما قذفه الحوت إلي البر,،وصدر إليه زمر الرب ثانية، نفذ نذره، وذهب إلي نينوى…

ولكن الظاهر أنه ذهب بقدميه مضطرًا، وليس بقلبه راضيًا. ذهب من أجل الطاعة، وليس عن اقتناع.

بلغ الرسالة إلي الناس. ونجحت الرسالة روحيًا… وتاب أهل نينوى وتذللوا أمام الرب، وصاموا، وصلوا. وقبل الرب توبتهم، ولم يهلك المدينة. ورأي النبي أن كلمته قد سقطت، ولم تهلك المدينة فاغتاظ.

وكان غيظ يونان دليلًا على الذاتية التي لم يتخلص منها.

ما كان يجوز إطلاقا إن يغتاظ النبي لخلاص أكثر من 120000 نسمة، قد رجعوا إلي الله بالتوبة وقلب منسحق، لأن الكتاب يقول: يكون هناك فرحا في السماء بخاطئ واحد يتوب. لا شك إذن أنه قد كان هناك فرحًا عظيمًا جدًا في السماء بخلاص أهل نينوى. ولكن يونان لم يشارك في هذا الفرح من أجل ذاتيته. كما أن الابن الأكبر لم يشارك في الفرح برجوع أخيه الصغير وفي الحفل الذي أقيم له لأجل ذاتيته أيضا (لوقا 15).

في كل هذا لم تكن مشيئة يونان موافقة لمشيئة الله.

ولم يكتف يونان بهذا، بل عاتب الله، وبرر ذاته، وظن أن الحق في جانبه. فصلى إلى الله وقال: آه يا رب، أليس هذا كلامي إذا كنت بعد في أرضي. لذلك بادرت بالهرب إلي ترشيش، لأني علمت أنك إله رؤوف ورحيم.

كيف صلي، وهو في تلك الحالة القلبية الخاطئة المغتاظة؟

وكيف تكلم كما لو كان مجنيًا عليه وقال: آه يا رب؟ وكيف ظن الحق في جانبه قائلًا: أليس هذا كلامي وكيف برر هروبه قائلا: لذلك بادرت بالهرب…. لم يقل ذلك في شعور بالندم أو الانسحاق، بل شعور من له حق، وقد رضي بالتعب صابرا!

عجيب هو الإنسان حينما يجامل نفسه علي حساب الحق! ويرفض الاعتراف بالخطأ مهما كانت أخطاؤه واضحة!!

على أن الله استخدم في علاجه أربعة أمثلة من مخلوقاته غير العاقلة التي كلفت بمهام صعبة، وأدتها على أكمل وجه، دون نقاش: الأمواج التي لطمت السفينة حتى كادت تغرق، الحوت الذي بلع يونان، الشمس التي ضربت رأسه فذبل، الدودة التي أكلت اليقطينة…

أما يونان فجلس شرقي المدينة ليري ماذا يحدث فيها. كما لو كان ينتظر أن يعود الله فيهلك الشعب كله إرضاء لكرامة يونان؟!!

وأعطاه الله درسا من كل تلك الكائنات غير العاقلة التي كانت أكثر تنفيذًا لمشيئته من هذا النبي العظيم، الذي لم يتركه الرب بل هداه إلي طريقه,، بركة صلواته فلتكن مع جميعنا.
إن قصة يونان النبي وتوبة أهل نينوى، إنما تقدم لنا تأملات كثيرة…

لقد دخل شعب نينوى في التاريخ، ولم تكن لهم مظاهر عظمة تدعو إلي ذلك علي الإطلاق…

كانوا شعبًا أمميًا لا يعرف الله. وكانوا في حالة من الجهل لا يعرفون يمينهم من شمالهم (يونان 4:11).

وكانوا أيضًا خطاة تلزمهم التوبة…

ولكن الذي سجل اسمهم، وخلد قصتهم في الكتاب المقدس، هو إنهم تابوا…

وقال عنهم السيد المسيح إنهم سيقومون في يوم الدين ويدينون هذا الجيل، لأنهم تابوا بمناداة يونان (متى 12:41)… ومما أعطي لتوبة أهل نينوى أهمه في التاريخ, إنها كانت توبة جادة وسريعة وقوية. كما أنها شملت الشعب كله من الملك إلي عامة الناس. واستطاعت هذه التوبة أن تكسب رضا الله، بل ودفاعه عن هؤلاء التائبين…

كثيرون سجل التاريخ أسماءهم بسبب أعمال عظيمة قاموا بها، أو بسبب نبوغ أو ذكاء خاص، أو ارتفاع في حياة الروح، أو قدرة على إتيان المعجزات، أو ما منحهم الله إياه من مواهب…

أما نينوى فنالت شهرتها بالتوبة…

وكلما نذكر نينوى، نذكر هذه التوبة، لكي ما نقتدي بها في حياتنا…

هناك نوعيات من التوبة لا يستطيع التاريخ أن يتجاهلها، بخاصة إذا كانت تلك التوبة نقطة تحول في الحياة، ولا رجعة فيها. وما بعدها يختلف تمامًا عن حياة الخطية الأولي.

Comments

comments

  • قصة يونان النبي

    قصة يونان النبي (البابا شنودة الثالث)

    إن قصة يونان النبي هي قصة صراع بين الذات الإنسانية والله. ويونان النبي كان إنسانا تحت الآلام مثلنا. وكانت ذاته تتعبه. ونود في هذا المقال أن نتأمل صراع ذاته مع الله…

    الذي يريد أن يسير في طريق الله، ينبغي أن ينكر ذاته، يجحدها وينساها، ولا يضع أمامه سوى الله وحده. ومشكلة يونان النبي أن ذاته كانت بارزة ومهمة في طريق كرازته. وكانت تقف حائلا بينه وبين وصية الله، ولعله كثيرا ما كان يفكر في نفسه هكذا:

    ما موقفي كنبي، وكرامتي، وكلمتي، وفكرة الناس عني؟؟ وماذا أفعل إذا اصطدمت كرامتي بطريقة الله في العمل؟

    كلفه الله بالذهاب إلي نينوى، والمناداة بهلاكها… وكانت نينوى عاصمة كبيرة فيها أكثر من 120000 نسمة.

    ولكنها كانت أممية وجاهلة وخاطئة جدا، وتستحق الهلاك فعلا. ولكن يونان أخذ يفكر في الموضوع:
    سأنادي علي المدينة بالهلاك، ثم تتوب، ويتراءف الله عليها فلا تهلك.

    ثم تسقط كلمتي، ويكون الله قد ضيع كرامتي علي مذبح رحمته ومغفرته. فالأفضل أن أبعد عن طريقه المضيع للكرامة!!

    وهكذا وجد سفينة ذاهبة إلي ترشيش، فنزل فيها وهرب. لم يكن يونان من النوع الذي يطيع تلقائيا. إنما كان يناقش أوامر الله الصادرة إليه، ويرى هل توافق شخصيته وذاته أم لا.

    ليس كذلك الملائكة. إنهم يطيعون بغير مناقشة، وبغير تردد. إن الله كلي الحكمة، وهم مجرد منفذين لمشيئته، وليسوا شركاء له في التدبير حتى يناقشوا أو يعترضوا…

    سواء كان الأمر رحمة أو قصاصا، يطيع الملائكة بلا نقاش: يأمر الله أحدهم أن يذهب ليسد أفواه الأسود منقذا دانيال، فيطيع. وبنفس الطاعة يذهب الملاك الذي يأمره الرب بقتل جميع أبكار مصر. ملائكة يأمرهم الله بإنقاذ بطرس من السجن، أو بإنقاذ بولس، أو بإنقاذ لوط، أو بافتقاد هاجر، فيطيعون.
    وبنفس الطاعة ينفذ أمره الملائكة الذين يبوقون بالأبواق في سفر الرؤيا فتنزل الويلات علي الأرض تحطمها تحطيما. لا يقولون عفوا يا رب، أشفق وأرحم، وأبعدنا عن هذه المهمة.
    وظيفتهم هي التنفيذ، وليس التدبير أو التفكير. إنهم متواضعون، لا يعتبرون أنفسهم أحن على الناس من الله خالقهم.

    يذكرنا هذا بقوانين الأحوال الشخصية، ومنع الطلاق إلا لعلة الزنا، وعبارات الحنو التي يدافع البعض عن زواج المطلقات، كأنهم أكثر حبا وعطفا وحنانا من المسيح الذي وضع الوصية…

    أما نحن فوظيفتنا هي التنفيذ وليس المناقشة. لا نريد أن نعمل مثل يونان، الذي تلقى الأمر من الله، فناقشه ثم رأى الحكمة في مخالفته… وهكذا استقل سفينة ليهرب من الرب! مسكين هذا الإنسان الذي يظن أنه يقدر علي الهروب من الله! ترى إلي أين يهرب؟!

    مهما هربت من الوصية ستجدها تطاردك حيثما كنت. ترن في أذنيك وتدور في عقلك، وتزعج ضميرك…

    إن كلمة الرب قوية وفعالة، ومثل سيف ذي حدين، وتستطيع أن تخترق القلب والعقل، وتدوي في أرجاء الإنسان.

    هرب يونان إلي ترشيش، ونسي أن الله موجود في ترشيش أيضا. وركب السفينة وهو يعلم أن الله هو إله البحر، كما أنه إله البر أيضا. ولم يشأ الله أن يصل يونان إلي ترشيش، وإنما أمسكه في البحر، وهيج الأمواج عليه وعلى السفينة كلها… والعجيب أن يونان كان قد نام في جوف السفينة نوما عميقا. لا أيقظه الموج، ولا صوت الأمتعة وهي تلقي في الماء، ولا صوت ضميره!!

    نام يونان، لم يهتم بمشيئة الله وأمره، ولم يهتم بنينوى وهلاكها أو خلاصها، ولم يهتم بأهل السفينة وما تجره عليهم خطيئته… لكنه تمركز حول ذاته، وشعر أنه حافظ على كرامته فنام نوما ثقيلا…

    هذا النوم الثقيل كان يحتاج إلي إجراء حاسم من الله: به ينقذ ركاب السفينة جسديا وروحيا، وينقذ مشيئته من جهة نينوى وخلاصها، وينقذ نفس هذا النبي الهارب، ويعلمه الطاعة والحكمة. مستبقيا إياه في خدمته بطول أناة عجيبة، على الرغم من كل أخطائه ومخالفته…

    ومن هم جنودك يا رب الذين ستستخدمهم في عمليات الإنقاذ الكبرى هذه؟ يجيب الرب عمليًا:

    عندي الموج، والرياح، والبحر، والحوت، والشمس، والدودة، واليقظة… إن كانت خليقتي العاقلة لم تطعني، فسابكتها بالجمادات والحيوانات.

    وهكذا أمر الله الرياح، فهاج البحر، وهاجت أمواجه، وصدمت السفينة حتى كادت تنقلب. وازداد هيجان البحر، لأن أمر الرب كان لابد أن ينفذ وبكل سرعة، وبكل دقة.

    وتصرف ركاب السفينة بحكمة وحرص شديدين… وبذلوا كل جهدهم الفني، وصلوا كل واحد إلى إلهه وألقوا قرعا ليعرفوا بسبب من كانت تلك البلية، فأصابت القرعة يونان.

    الوحيد الذي لم يذكر الكتاب أنه صلي كباقي البحارة، كان يونان. وحتى بعد أن نبهه أو وبخه رئيس النوتية، لم يلجأ إلي الصلاة. كأن عناده أكبر من الخطر المحيط به…

    حاول البحارة إنقاذ يونان بكافة الطرق فلم يستطعوا. واعترف يونان أنه خائف من الله الذي صنع البحر والبر!! إن كنت خائفا منه حقا، نفذ مشيئته. ما معني أن تخافه وتبقي مخالفا؟ ولكن كبرياء يونان كانت ما تزال تسيطر عليه. إن الإنسان إذا تعلق بذاته وكرامته، يمكن أن يضحي في سبيل ذلك بكل شيء… كان يونان يدرك الحق، ومع ذلك تمسك بالمخالفة، من أجل الكرامة التي دفعته إليها الكبرياء، فتحولت إلي عناد… قالوا له: ماذا نصنع بك ليسكن البحر عنا؟. فأجابهم: خذوني واطرحوني في البحر وهنا أقف متعجبا!!

    علي الرغم من كل هذه الإنذارات والضربات الإلهية، لم يرجع يونان. لم يقل أخطأت يا رب في هروبي، سأطيع وأذهب إلي نينوى… فضل أن يلقي في البحر، ولا يقول أخطأت..!

    لم يستعطف الله. لم يعتذر عن هروبه. لم يعد بالذهاب. لم يسكب نفسه في الصلاة أمام الله. إنما يبدو أنه فضل أن يموت بكرامته دون أن تسقط كلمته!! وهكذا القوة في البحر…

    أما مشيئة الله فكانت لابد أن تنقذ. هل تظن يا يونان أنك ستعاند الله وتنجح؟! هيهات، لابد أن تذهب مهما هربت، ومهما غضبت. أن الله سينفذ مشيئته سواء أطعت أم عصيت، ذهبت أم هربت…

    ألقي يونان في البحر، وأعد الرب حوتا عظيما فابتلع يونان.

    يا يونان، صعب عليك أن ترفس مناخس. إن شئت فبقدميك تصل إلي نينوى. وإن لم تنشأ فستصل بالبحر والموج والحوت. بالأمر، إن لم يكن بالقلب.

    وفي جوف الحوت وجد يونان خلوة روحية هادئة، ففكر في حاله. إنه في وضع لا هو حياة، ولا هو موت. وعليه أن يتفاهم مع الله، فبدأ يصلي. إنه لا يريد أن يعترف بخطيئته ويعتذر عنها، وفي نفس الوقت لا يريد أن يبقى في هذا الوضع. فاتخذ موقف العتاب، وقال: دعوت من ضيقي الرب، فاستجابني… لأنك طرحتني في العمق… طردت من أمام عينيك.

    من الواضح أن الله لم يضع يونان في الضيق، ولم يطرحه في العمق، ولم يطرده ولكن خطيئة يونان هي السبب.

    هو الذي أوقع نفسه في الضيقة، ثم شكا منها، ونسب تعبه إلي الله… ولكن النقطة البيضاء، هي أنه رجع إلي إيمانه في بطن الحوت. فآمن أن صلاته ستُستَجاب، وقال للرب: أعود أنظر هيكل قدسك. آمن أنه حتى لو كان في جوف الحوت، فلابد سيخرج منه ويري هيكل الرب.

    أتت هذه القضية الكبرى بمفعولها. ونجح الحوت في مهمته. والظاهر أن يونان نذر نذرا بأنه إن خرج من جوف الحوت، سيذهب نينوى لأنه قال للرب وهو في جوف الحوت أما أنا فبصوت الحمد أذبح لك، وأوفي بما نظرته 2:9. أي نذر تراه غير هذا؟! ثم إنه لما قذفه الحوت إلي البر,،وصدر إليه زمر الرب ثانية، نفذ نذره، وذهب إلي نينوى…

    ولكن الظاهر أنه ذهب بقدميه مضطرًا، وليس بقلبه راضيًا. ذهب من أجل الطاعة، وليس عن اقتناع.

    بلغ الرسالة إلي الناس. ونجحت الرسالة روحيًا… وتاب أهل نينوى وتذللوا أمام الرب، وصاموا، وصلوا. وقبل الرب توبتهم، ولم يهلك المدينة. ورأي النبي أن كلمته قد سقطت، ولم تهلك المدينة فاغتاظ.

    وكان غيظ يونان دليلًا على الذاتية التي لم يتخلص منها.

    ما كان يجوز إطلاقا إن يغتاظ النبي لخلاص أكثر من 120000 نسمة، قد رجعوا إلي الله بالتوبة وقلب منسحق، لأن الكتاب يقول: يكون هناك فرحا في السماء بخاطئ واحد يتوب. لا شك إذن أنه قد كان هناك فرحًا عظيمًا جدًا في السماء بخلاص أهل نينوى. ولكن يونان لم يشارك في هذا الفرح من أجل ذاتيته. كما أن الابن الأكبر لم يشارك في الفرح برجوع أخيه الصغير وفي الحفل الذي أقيم له لأجل ذاتيته أيضا (لوقا 15).

    في كل هذا لم تكن مشيئة يونان موافقة لمشيئة الله.

    ولم يكتف يونان بهذا، بل عاتب الله، وبرر ذاته، وظن أن الحق في جانبه. فصلى إلى الله وقال: آه يا رب، أليس هذا كلامي إذا كنت بعد في أرضي. لذلك بادرت بالهرب إلي ترشيش، لأني علمت أنك إله رؤوف ورحيم.

    كيف صلي، وهو في تلك الحالة القلبية الخاطئة المغتاظة؟

    وكيف تكلم كما لو كان مجنيًا عليه وقال: آه يا رب؟ وكيف ظن الحق في جانبه قائلًا: أليس هذا كلامي وكيف برر هروبه قائلا: لذلك بادرت بالهرب…. لم يقل ذلك في شعور بالندم أو الانسحاق، بل شعور من له حق، وقد رضي بالتعب صابرا!

    عجيب هو الإنسان حينما يجامل نفسه علي حساب الحق! ويرفض الاعتراف بالخطأ مهما كانت أخطاؤه واضحة!!

    على أن الله استخدم في علاجه أربعة أمثلة من مخلوقاته غير العاقلة التي كلفت بمهام صعبة، وأدتها على أكمل وجه، دون نقاش: الأمواج التي لطمت السفينة حتى كادت تغرق، الحوت الذي بلع يونان، الشمس التي ضربت رأسه فذبل، الدودة التي أكلت اليقطينة…

    أما يونان فجلس شرقي المدينة ليري ماذا يحدث فيها. كما لو كان ينتظر أن يعود الله فيهلك الشعب كله إرضاء لكرامة يونان؟!!

    وأعطاه الله درسا من كل تلك الكائنات غير العاقلة التي كانت أكثر تنفيذًا لمشيئته من هذا النبي العظيم، الذي لم يتركه الرب بل هداه إلي طريقه,، بركة صلواته فلتكن مع جميعنا.
    إن قصة يونان النبي وتوبة أهل نينوى، إنما تقدم لنا تأملات كثيرة…

    لقد دخل شعب نينوى في التاريخ، ولم تكن لهم مظاهر عظمة تدعو إلي ذلك علي الإطلاق…

    كانوا شعبًا أمميًا لا يعرف الله. وكانوا في حالة من الجهل لا يعرفون يمينهم من شمالهم (يونان 4:11).

    وكانوا أيضًا خطاة تلزمهم التوبة…

    ولكن الذي سجل اسمهم، وخلد قصتهم في الكتاب المقدس، هو إنهم تابوا…

    وقال عنهم السيد المسيح إنهم سيقومون في يوم الدين ويدينون هذا الجيل، لأنهم تابوا بمناداة يونان (متى 12:41)… ومما أعطي لتوبة أهل نينوى أهمه في التاريخ, إنها كانت توبة جادة وسريعة وقوية. كما أنها شملت الشعب كله من الملك إلي عامة الناس. واستطاعت هذه التوبة أن تكسب رضا الله، بل ودفاعه عن هؤلاء التائبين…

    كثيرون سجل التاريخ أسماءهم بسبب أعمال عظيمة قاموا بها، أو بسبب نبوغ أو ذكاء خاص، أو ارتفاع في حياة الروح، أو قدرة على إتيان المعجزات، أو ما منحهم الله إياه من مواهب…

    أما نينوى فنالت شهرتها بالتوبة…

    وكلما نذكر نينوى، نذكر هذه التوبة، لكي ما نقتدي بها في حياتنا…

    هناك نوعيات من التوبة لا يستطيع التاريخ أن يتجاهلها، بخاصة إذا كانت تلك التوبة نقطة تحول في الحياة، ولا رجعة فيها. وما بعدها يختلف تمامًا عن حياة الخطية الأولي.

    Comments

    comments

أقرأ المزيد
  • CONSECRATION-miraculous-medal (5)

    تساعية سيدة الأيقونة العجائبية

    باسم الآب والابن والروح القدس الاله الواحد آمين.
     

    تُتلى الصلوات الثلاث التالية كلّ يوم في بداية التساعيّة
    هلمَّ أيّها الروح القدس

    فعل الندامة

    قانون الإيمان

    اليوم الأول:

    قيمة الأيقونة: انها تأتي من السماء
    نعم ,اذ انها ليست عمل فنان ماهر ولا تأليفا بارعًا أملاه تكريم حار لمريم.
    إنّها عطيّة العذراء القديسة نفسها، لقد اختارت جميع العلامات المحفورة عليها فينبغي علي إذًا أن أتأمل بمعناها.
    في مقدمة قداس اليوم السابع والعشرين من تشرين الثاني يوم عيد سيدة الأيقونة العجائبية نقرأ ما يلي:
    ’’ ستكون هذه كعلامة في يدك وبناء امام عينيك حتى تبقى شريعة الرب في فمك’’
    هذه هي ايقونتي:’’ علامة انتماء الى مريم وبناء امام عيني، أي مثال يجب ان اتشبه به’’
    هل أدركت حتى الآن كفاية قيمة الأيقونة العجائبية… هل أحملها بأمانة…

    اليوم الثاني:

    “كاترين لابوري حاملة سرّ مريم”

    يحبّ الله أن يستخدم ما هو ضعيف ومحتقر لدى العالم، لتحقيق تدبيره الخلاصيّ، حتّى يتبيّن أنّ الانتصار يأتي منه هو، فيمجّد ضعف الخليقة عظمته وحكمته تعالى

     ألم تكنهذه حال القدّيسة جان دارك وحال القدّيسة برناديت؟
    والعذراء القدّيسة اختارت راهبة مبتدئة صغيرة وأمّيّة، ابنة الريف، لتقدّم للعالم “الأيقونة العجائبيّة”. قالت الأخت كاترين لابوري يومًا: “استعملتني القدّيسة العذراء كي لا يستطيع أحد أن يشكّ!” ولزمت الصمت الكلّي، بتواضع عميق، طيلة حياتها، حول الإنعامات التي حصلت عليها. هذا الصمت أثار إعجاب البابا بيوس الحادي عشر لحظة تطويبها المجيد، فقدّم لها هذا التكريم الجميل:
    “إنّها حفظت سرّ ملكتها”.
    هل تجد القدّيسة العذراء في بعض الفضائل التي كانت تحبّها كثيرًا في الأخت كاترين لابوري؟ 

    اليوم الثالث:

    ’’ العذراء ذات الاشعة’’
    ’’ إنّ أيقونتي مختصر أخّاذ لمُجمل حقائق الايمان المسيحي’’
    هي نوع من منيمنة إلهية لم يغب عنها اي عنصر جوهري
    إن عقيدة الحبل بلا دنس كما تظهر على الأيقونة، متعلّقة بحقائق الإيمان الرئيسية من عقيدة الخطيئة الأصلية الى موضوع عيد الأيقونة العجائبية.
    إن العذراء النقيّة تطلّ علينا بيدين تنبعث منها أشعّة كما تقول هي، النعم التي توزعها على الأشخاص الذين يسألونها إيّاها.
    وفيما كانت كاترين تتعجّب من أن الاشعة لا تنبعث من الحجارة الكريمة التي تزين اصابعها ,اوحي اليها’’ ان هذه الحجارة التي تبقى في الظل تمثل النعم التي تنسون ان تطلبوها مني’’
    هل فهمتُ أني أحصل على النعم بشفاعة مريم…

    اليوم الرابع:

    ’’ يامريم يامن حبل بها بلا دنس، صلّي لأجلنا نحن الخطأة الملتجئين اليكِ’’.
    الصلاة المكتوبة على ايقونتي هي مريم نفسها التي علمتني اياها .
    هذه العبارة التي ترجمت الى كل اللغات وتردّدت في كل مكان من العالم، أدخلت الإيمان بالحبل بلا دنس الى جميع الأذهان والقلوب.
    لنرددها بدون كلل ولنعلمها لأطفالنا والمرضى ولجميع الذين هم في الضيق.
    لنزرع هذا الدعاء في الشوارع، في رحلاتنا وفي محيطنا العائلي والاجتماعي.
    هذا الدعاء الذي علمتني اياه مريم، هل يرد تلقائيا على شفاهي ..هل أتلوه بإيمان وثقة…

    اليوم الخامس:
    “الحيّة التي تدوسُ مريم رأسها”
    ورد في سفر التكوين: “سأجعل عداوة بينك وبين المرأة، ستدوس رأسك وأنت ستحاولين أن تجرحي عقبها”.
    مريم هي تلك المرأة المعلن عنها منذ فجر الكون. وقد شاءت أن تظهر في هذه الحالة على الأيقونة. هذه الحيّة المنفرة، نحن نعرفها، إنّها التجربة، إنّه الشيطان: يصفر، يغوي، ويحاول أن يجرح العذراء، لكنّه يسعى باطلًا!
    إذ أنّها أقوى منه! إنّها بريئة من أي دنس! غالبًا ما تترصّدنا التجربة مثل الحيّة الجهنّميّة. ولكن لنا النعمة الإلهيّة لمساعدتنا! لنا مريم! لا ننسين هذا أبدًا!
    إذا ما تعرّضت للتجربة، هل أفكّر دائمًا في أن أدعو أمّي السماويّة؟
    هل أثق كفاية بشفاعتها الكليّة القدرة؟

    اليوم السادس:

    “حرف الميم (M) في الأيقونة”

    أجد على ظهر الأيقونة علامات رمزيّة، أوّلها الحرف الأوّل لاسم مريم المبارك: الميم (M) التي تبدو وكأنّها قاعدة لصليب يسوع.
    مريم لا تنفصل عن ابنها. ينبغي عليّ أن أدخلها إلى صلب حياتي، لكي تساعدني على حمل أثقالي.
    ليكن اسمها محفورًا في قلبي، حاضرًا دائمًا في ذاكرتي، مستعدًّا دائمًا لكي يتدفّق من شفاهي ولتكن كلمات القدّيس برنردوس مطبوعة في مخيّلتي: “إذا ما جابهتكم التجارب وساورتكم الشكوك، وانتابتكم المشقّات، ارفعوا أعينكم إلى النجمة وادعوا مريم!”.
    هل لمريم مكان في حياتي الشخصيّة والحميمة؟
    هل هي بالنسبة لي أكثر من تمثال؟ لا بل شخص حيّ، مستعدّ دائمًا لأن يستقبلني ويصغي إليّ ويستجيبنيي؟

    اليوم السابع:
    “صليب أيقونتي”
    الصليب الذي يعلو حرف الميم (M) هو رمز للحياة المسيحيّة كلّها. لقد تقاسمت القدّيسة العذراء الصليب مع يسوع. وتحلّت بالرأفة مع تحمّل الآلام.
    “وكانت أمّه واقفة” نعم وقفت مريم على أقدام هذا الصليب. وها هي تقدّمه لنا على الأيقونة واعدة إيّانا بأنّها ستقاسمنا صليبنا وتساعدنا على حمله.
    “إنّ الصليب هو الطريق الملوكيّ الذي يقودنا إلى السماء”. علَّ العذراء القدّيسة تفهمنا هذه الحقيقة!
    هل أطلب من العذراء القدّيسة أن تساعدني وقت المحنة؟
    هل أنا مقتنع بأنّها تتحسّس معي آلامي وتريد أن تخفّفها؟

    اليوم الثامن:
    “القلبان المحفوران على الأيقونة”

    إنّ قلب يسوع، المكلّل بالشوك، قريب من قلب مريم المطعون بالحربة. في الحبّ كما في الآلام، هذان القلبان لا ينفصلان.
    إنّ قلب يسوع هو مثال القداسة، ينبوع كلّ النِّعَم، وقلب مريم هو المرأة التي تعكس بأمانة الكمال الإلهيّ، القلب الذي بواسطته فاضت النِّعم على العالم.
    لا يجب أبدًا أن نَفصُل الأم عن الابن. إذ إنّ هذا الفصل يتعارض مع النظام الذي أراده الله. لنذهب دائمًا إذًا إلى يسوع بواسطة مريم ولا نفصل أبدًا بينهما في حبّنا.

    هل أنا وفيّ في تكريم قلب يسوع الأقدس في أوّل يوم جمعة من الشهر؟
    وفي تكريم قلب مريم الطاهر في أوّل يوم سبت من الشهر؟

    اليوم التاسع:
    “نجوم إيقونتي”
    إنّ النجوم الموجودة في الأيقونة رائعة الجمال، ولكنّها أيضًا رمزيّة!
    تذكّرنا بالرسل الاثني عشر، والقدّيسين الذين تبعوا المسيح يسوع مثلهم وحصلوا بشفاعة مريم على إكليل المجد.
    النجوم تبيّن ضرورة التزامنا الرسوليّ فنسعى وراء الأنفس التي فقدت إيمانها المسيحيّ، لا بل أصبحت وثنيّة (وكم هي للأسف كثيرة في محيطنا) فنقودها إلى يسوع بشفاعة مريم!
    هل أقوم بأي عمل رسوليّ؟
    هل أعي أنّي مسؤول عن الأصدقاء الذين يحيطون بي؟ وخاصّة عن ذويّ؟

    Comments

    comments

  • little-girl-with-jeus-icon

    صلاة توبة (القديس نيقولاوس – أسقف صربيا)

    أيها الربّ الكليّ الرحمة، أتوب أمامك عن كل خطايا البشرية.
    ها إنّ في دمي أصل كل الخطايا . لكني أحاول ليلاً نهاراً بمعونتك، واذا ما شملتني رحمتك، أن أخنق بذرة الشرّ الذي فيّ.

    أتوب إليك يا ربّي عن كلّ الغارقين تحت ثقل الاهتمامات العالمية، غير عارفين أن يُلقوا أحمال همومهم واهتماماتهم عليك.
    إنّ أخفّ الهموم تُعدُّ بالنسبة للإنسان الضعيف كحِملٍ لا يُحتمل، بينما بالنسبة إليك فإنّ جبلاً هائلاً من الإهتمامات هو ككرةٍ من الثلج تسقط في أتون نار.

    أتوب أمامك يا إلهي من أجل كلّ الرازحين تحت المرض، الذي ظهر نتيجة الخطيئة.
    فإذا ما تطهرت النفس عن طريق التوبة، عندها سيتلاشى المرض وتتلاشى معه الخطيئة، وتحلّ أنت وحدك في داخلي.

    أتوب أمامك عن كلّ الملحدين، الذين يضاعفون بإلحادهم هذا همومهم القلقة وأمراضهم، عليهم وعلى من حولهم.

    أتوب عن كلّ قاتل نفسٍ يقتل فينهي حياة غيره، لكي يحفظ حياته.
    اغفر لهم أيها الكلي الرحمة، لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون.

    أتوب أمامك عن أولئك الذين يستغلّون الآخرين ويكدّسون أموالهم، لأجلهم أنا أبكي بألمٍ وأتنهد.
    لأنهم قد دفنوا أرواحهم بأيديهم. بأيّ هيئةٍ سيمثُلون أمامك !

    أتوب أمامك عن كلّ المتكبّرين والمتعجرفين، أبكي لأجلهم وأتنهد لأنهم سيكونون أمامك مثل الشحاذين.

    عن الشفاه الكاذبة، عن العيون غير الطاهرة، القلوب القاسية، البطون التي لا تشبع، الأذهان المظلمة، الرغبات السيئة، الأفكار الرديئة، عنها كلّها ولأجلها أبكي وأتنهد.

    أتوب عن تاريخ البشرية منذ آدم حتى يومي هذا أنا الخاطئ، لأنّ كلّ هذا التاريخ يسري في دمي وأكرّره كلّ يومٍ في حياتي.

    عن كلّ كبيرٍ أو صغيرٍ لا يرتعد ويخاف أمام حضورك الرهيب، عنهم أبكي وأتنهد وأصرخ، أنت أيها السيد الكلي الرحمة، ارحمني وخلصني.

    القديس نيقولاوس (أسقف صربيا)

    Comments

    comments

  • صلاة الاتكال على قلب يسوع

    صلاة الاتكال على قلب يسوع

    يا قلب يسوع الحلو، لم يُسمع أبداً انك أهملت أحداً من الّذين التجأوا إليك وطلبوا عونَك واستعطفوا رحمتَك.
    ها أنا آتٍ إليك مدفوعاً بهذه الثّقة وأجثو أمامك نادماً على خطاياي.
    فلا تحتقرْ صلواتي بل أنصت إليها واستجبْها بحنوّك، آمين.

    يا يسوع: إني بإسم مريم، أوكل قلبك بهذه (النعمة أو النفس) فانظُر يا يسوع واعمل بما يوحيه إليك قلبُك الشفوقّ.

    يا يسوع إني أتّكل عليك وأثق بك فلا تخيّبْني.
    يا يسوع إغفر لي وارحمني.




    أذكر أيها القلب الإلهي أنّ كلّ ما عملتَه هو لأجل خلاص نفوسنا فلا تسمحْ بأن تهلك.
    أذكر محبّتك العظيمة التّي أحببتنا بها فلا تطردْ نفسي الآتية إليك وهي مثقَلة بالخطايا.

    أشفقْ على ضعفي ونجّني من الأخطار المحدقة بي.

    إني أتقدّم إلى قلبك، مملوءا ثقة، فاقبلني بحنوّك الغير المتناهي واجعلني أشعر بعطفْك ومحبتك لي.
    كُنْ سندي ووسيطاً لي عند أبيك الأزلي. وبحقّ دمك الثّمين واستحقاقاتك الغير المتناهية أعطِني القوّة في ضعفي والتّعزية في شقائي والنّعمة لكي أحبَّك في هذه الدّنيا وأمتلكك في الآخرة.
    آمين.

    Comments

    comments

أقرأ المزيد من  غير مصنف

Facebook Comments

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>