تأمل و صلاة لسيدة الوردية المقدسة

holy-rosary-month

عندما نتأمّل بتاريخ المسبحة الورديّة، من البديهي أن نتوقّف عند اهتمام العذراء الكبير فيها، وإلحاحها الشديد على تلاوتها في كلّ رسائلها الموجّهة للعالم.
وهذا ما يثبت لنا فعاليّة هذه الصلاة وتأثيرها العميق في الحياة الروحيّة، ومدى وقعها الطيّب والمستحبّ على قلب مريم.
وبالتالي رضى الله تعالى وموافقته على أخذها كصلاة إلهيّة لها دور كبير في السمو والكمال الروحيّ وخلاص النفوس. وما يثبت لنا رفعة وشرف هذه الصلاة أيضًا، أقوال الأحبار والملافنة المشجّعة لها، ومديح من أصبحوا قدّيسين فكانت قداستهم شهادة وبرهانًا قاطعًا على سمو هذه الصلاة العجائبيّة، التي اقبل على تلاوتها المؤمنون عبر الأجيال فخصّوها بمنـزلة رفيعة، وعاشوا تأملاتها، ووصلوا بفضلها إلى أسمى المراتب الروحيّة: وهي الاقتداء بالمسيح والاتحاد به.
وانّ العجائب الكثيرة الباهرة والنعم الغزيرة التي حصل عليها من واظب على تلاوتها، لا تحصى ولا تعدّ وأخبارها تتناقلها الأجيال ونسمعها من آبائنا وأجدادنا، فتُخبر عن مجد وعظمة السيّدة العذراء سلطانة الورديّة المقدّسة، تلك الأم الحنون وشفيعة من طلب شفاعتها واحتمى بكنفها.

فكانت تلك الثوابت ردًّا على كلّ من سمحت له نفسه بإنكار فعاليّة وأهميّة هذه الصلاة، أو الاستخفاف بها، ونقضًا لكلّ الأقاويل الخاطئة وخصوصًا منها، لمن يدّعون بأبناء العصر المتمدّن والمتقدّم، قولهم: بأنّ المسبحة هي “موضة قديمة” وبالتالي فهي “للعجائز وللراهبات في الأديرة”. وفي الحقيقة إنّ هؤلاء تقدّموا في كلّ الأمور إلاّ الأهمّ والأسمى منها ألا وهي الناحية الروحيّة.

لذلك يجب أن لا نتأثّر بهذا التيار الملتوي، فنعود دومًا إلى الينابيع الروحيّة، إلى تاريخ المسبحة، إلى أقوال السيّدة العذراء وإلى حياة آبائنا وأجدادنا، فنجد الحقيقة ساطعة سطوع الشمس. وهكذا لا يبقى لنا عذر بعدم الثقة بحماية العذراء، وبعدم التمسّك بالورديّة كسلاح نستعمله ضدّ قوى الشرّ التي تحاول باستمرار أن تربح كلّ النفوس لها، ومحاربة الأضاليل، وكفّ الهراطقة عن ضلالهم، وسحق البدع التي عمّت كلّ الأرجاء وانتشرت في كلّ النواحي بسبب قلّة الإيمان وعدم الوعي الروحيّ.
فنصبح عندئـذٍ بالفعل أبناءً لمريم نستحق شفاعتها ونتّخذ كلام السيّد المسيح إلى تلميذه يوحنّا “هذه أمّك” فيكون كلّ واحد منّا “يوحنّا” وتصبح مريم أمّنا جميعًا، متميّزين بإقبالنا على تلاوة الورديّة بحرارة وخشوع، لأنّها علامة من علامات بنيها وأحبّائها.

وهكذا نجدّد معها الإيمان بالمسيح لأنّه خلاصنا الوحيد، لا سيّما في هذه الأيّام الصعبة من تاريخ العالم حيث الفساد عمّ المعمورة، والكوارث والويلات تحصد كلّ يوم مئات ومئات الضحايا، وحيث الأمراض الخبيثة القاتلة تتفشّى بين الشعوب، وحيث كثرت البدع والهرطقات في عصر الكفر والإلحاد، فتحصد معها الكفار والمؤمنون معًا،

وحيث الإيمان يضمحل ويذوب بعدما فقد قوّته في النفوس، وحيث الميول والأهواء كلّها متّجهة نحو الملذات الأرضيّة والشهوات الجسديّة الفانية قاتلة النفس، وحيث هملت الواجبات الدينيّة وأصبح كلام الله ذا وقع ثقيل على المسامع، فاستبدل بالأحاديث الفارغة التافهة التي تفرغ الإنسان حتّى من آخر القيم الروحيّة.

فإذا أردنا أن يحلّ السلام سريعًا بين الناس وبين الأمم، وأن تزول المصائب والويلات، وأن تكون المحبّة عنوان التعامل بين البشر، فلنستمع لصوت العذراء أمّنا. وإذا أردنا في وسط هذه الضائقة الاقتصاديّة والتردّي الاجتماعي والخلقي أن تبادر إلى معونتنا وتكون حاميتنا،

فلنستعمل الوسيلة العمليّة التي فرضتها وهي صلاة الورديّة بخشوع وورع. فنتأمّل جيّدًا بأسرارها التي هي موجز لحياة يسوع وأمّه، لكي نستطيع أن نقتدي بهما. فنكون قد حقّقنا غاية التأملات؛ يقول القدّيس أغوسطينوس: “إنّ خير تكريم للقدّيسين. إنّما هو الاقتداء بفضائلهم”.

ولا نخف من إذاعة هذه الصلاة ونشرها، ومن تشجيع من نجد فيه آذانًا مصغية لاقتبال نصيحتنا. فالورديّة التي تتلى بروح التوبة، تجذب الكثيرين لإتمام واجباتهم الروحيّة. فعندئذٍ نحصل على نعمٍ كثيرة خصوصيّة وعموميّة، زمنيّة وروحيّة.

لنصلّ دائمًا المسبحة الورديّة، وتحت رعاية أمنا العذراء وملكتنا وبروح الندامة الصادقة. ولنتأمّل في كلّ سرّ من أسرارها سيّدنا يسوع المسيح طريق الحقّ ونور العالم. وعندما نعرفه حقّ المعرفة فلا نفتّش إلاّ عن السلام الحقيقيّ الوحيد “سلام المسيح في مملكة المسيح”.

صلاة:

أيّتها العذراء مريم، يا سلطانة الورديّة المقدّسة، يا من تحقّقت فيك جميع النبوءات وتحقّق وعد الله للبشر. فتشرّفت بحمل الإله مخلّص العالم وقدس الأقداس، وكنت له أمًّا حنونة رافقته طوال حياته على الأرض: فرحت بفرحه وحزنت بحزنه وتمجّدت بمجده.

استحققت أن ندعوك شريكة في فداء العالم وخلاصه. فكنت أمًّا لجميع البشر منتَخَبة من الله لتكوني رسولة محبّة وسلام لأبنائه، تحقّقين رغبته وهي إنهاض البشر من الخطيئة وإزالة روح الشرّ من النفوس. أدركت سرّ الفداء فكان خلاص البشر عنوان رسالتك الطويلة وأسرعت بكلّ غيرة لإنقاذ أولادك من براثن الخطيئة. كيف لا! ولأجل ذلك تألّم ابنك ومات وتألّت معه. كانت جراحاته تطعن قلبك الطاهر الذي ما برح ينـزف دمًا بسبب خطايا العالم ومعاصيه، هذا العالم الذي يميل نحو الشرور ويسير بعكس إرادة الله ومشيئته.

ولكنّكِ الأم الشفوق الغيورة على خلاص أبنائك لا تريدين أن يهلك أحد منهم، فكانت ورديّتك التي تجسّد محبّتك لنا، سلاحًا لمحاربة الشرّ، عندما أصبح العالم ينهار رازحًا تحت نير الخطيئة.

نسألك أيتها الأم العطوف أن لا تدعينا نهلك وكوني لنا العون الدائم، واطلبي لنا من الله الرحمة والصفح عمّا فعلت أيدينا من مآثم. وكما استمعت لتضرّعات القدّيس عبد الأحد نسألك أيضًا أن تقبلي تضرّعاتنا، وتساعدينا أن نسير على خطاه، فنجعل من ورديّتك المقدّسة سلاحنا الدائم ضدّ كلّ الأخطار وتجارب الشرير. فنصلّيها بكلّ خشوع وحبّ لكي نستحقّ أن ننال بها شفاعتك وحبّك وحنانك وعطفك.

أيتها الأم الرؤوف كوني دومًا معنا ليكون السلام في بيوتنا ومجتمعاتنا، سلام المسيح الذي أحبّ العالم محبّة لا متناهية، فدفع ثمن خلاصه دمه وحياته.

اجعلينا يا مريم أن نسلك طرق الربّ القويمة وكوني شفيعتنا رغم تناسينا لك، لأنّنا ضعفاء، قوّينا بقوّة الروح القدس الذي حلّ عليك، فنكون رسلاً وشهودًا لكلمة الله القدّوس نحملها في قلوبنا وتكون الوحيدة على ألسنتنا لأنّ لا شيء أرفع وأسمى وأقدس منها.

 عرّفينا يا أمّنا حقارة الأرض وبهاء السماء، لندرك مدى السعادة التي تنتظرنا. فيكون هذا العالم فقط مسرح جهاد يوصلنا للملكوت حيث السعادة الحقيقيّة بقرب خالقنا. فنستحقّ أن نشاهد مجده وعظمته، ويكون لنا شرف تسبيحه وتمجيده برفقة الملائكة والقدّيسين إلى دهر الدهور. آمين.

من كتاب: الورديّـــة نشأتها وتاريخها (دورُها وأهميّتها في الحياةِ الرّوحيّة)

Comments

comments

  • holy-rosary-month

    تأمل و صلاة لسيدة الوردية المقدسة

    عندما نتأمّل بتاريخ المسبحة الورديّة، من البديهي أن نتوقّف عند اهتمام العذراء الكبير فيها، وإلحاحها الشديد على تلاوتها في كلّ رسائلها الموجّهة للعالم.
    وهذا ما يثبت لنا فعاليّة هذه الصلاة وتأثيرها العميق في الحياة الروحيّة، ومدى وقعها الطيّب والمستحبّ على قلب مريم.
    وبالتالي رضى الله تعالى وموافقته على أخذها كصلاة إلهيّة لها دور كبير في السمو والكمال الروحيّ وخلاص النفوس. وما يثبت لنا رفعة وشرف هذه الصلاة أيضًا، أقوال الأحبار والملافنة المشجّعة لها، ومديح من أصبحوا قدّيسين فكانت قداستهم شهادة وبرهانًا قاطعًا على سمو هذه الصلاة العجائبيّة، التي اقبل على تلاوتها المؤمنون عبر الأجيال فخصّوها بمنـزلة رفيعة، وعاشوا تأملاتها، ووصلوا بفضلها إلى أسمى المراتب الروحيّة: وهي الاقتداء بالمسيح والاتحاد به.
    وانّ العجائب الكثيرة الباهرة والنعم الغزيرة التي حصل عليها من واظب على تلاوتها، لا تحصى ولا تعدّ وأخبارها تتناقلها الأجيال ونسمعها من آبائنا وأجدادنا، فتُخبر عن مجد وعظمة السيّدة العذراء سلطانة الورديّة المقدّسة، تلك الأم الحنون وشفيعة من طلب شفاعتها واحتمى بكنفها.

    فكانت تلك الثوابت ردًّا على كلّ من سمحت له نفسه بإنكار فعاليّة وأهميّة هذه الصلاة، أو الاستخفاف بها، ونقضًا لكلّ الأقاويل الخاطئة وخصوصًا منها، لمن يدّعون بأبناء العصر المتمدّن والمتقدّم، قولهم: بأنّ المسبحة هي “موضة قديمة” وبالتالي فهي “للعجائز وللراهبات في الأديرة”. وفي الحقيقة إنّ هؤلاء تقدّموا في كلّ الأمور إلاّ الأهمّ والأسمى منها ألا وهي الناحية الروحيّة.

    لذلك يجب أن لا نتأثّر بهذا التيار الملتوي، فنعود دومًا إلى الينابيع الروحيّة، إلى تاريخ المسبحة، إلى أقوال السيّدة العذراء وإلى حياة آبائنا وأجدادنا، فنجد الحقيقة ساطعة سطوع الشمس. وهكذا لا يبقى لنا عذر بعدم الثقة بحماية العذراء، وبعدم التمسّك بالورديّة كسلاح نستعمله ضدّ قوى الشرّ التي تحاول باستمرار أن تربح كلّ النفوس لها، ومحاربة الأضاليل، وكفّ الهراطقة عن ضلالهم، وسحق البدع التي عمّت كلّ الأرجاء وانتشرت في كلّ النواحي بسبب قلّة الإيمان وعدم الوعي الروحيّ.
    فنصبح عندئـذٍ بالفعل أبناءً لمريم نستحق شفاعتها ونتّخذ كلام السيّد المسيح إلى تلميذه يوحنّا “هذه أمّك” فيكون كلّ واحد منّا “يوحنّا” وتصبح مريم أمّنا جميعًا، متميّزين بإقبالنا على تلاوة الورديّة بحرارة وخشوع، لأنّها علامة من علامات بنيها وأحبّائها.

    وهكذا نجدّد معها الإيمان بالمسيح لأنّه خلاصنا الوحيد، لا سيّما في هذه الأيّام الصعبة من تاريخ العالم حيث الفساد عمّ المعمورة، والكوارث والويلات تحصد كلّ يوم مئات ومئات الضحايا، وحيث الأمراض الخبيثة القاتلة تتفشّى بين الشعوب، وحيث كثرت البدع والهرطقات في عصر الكفر والإلحاد، فتحصد معها الكفار والمؤمنون معًا،

    وحيث الإيمان يضمحل ويذوب بعدما فقد قوّته في النفوس، وحيث الميول والأهواء كلّها متّجهة نحو الملذات الأرضيّة والشهوات الجسديّة الفانية قاتلة النفس، وحيث هملت الواجبات الدينيّة وأصبح كلام الله ذا وقع ثقيل على المسامع، فاستبدل بالأحاديث الفارغة التافهة التي تفرغ الإنسان حتّى من آخر القيم الروحيّة.

    فإذا أردنا أن يحلّ السلام سريعًا بين الناس وبين الأمم، وأن تزول المصائب والويلات، وأن تكون المحبّة عنوان التعامل بين البشر، فلنستمع لصوت العذراء أمّنا. وإذا أردنا في وسط هذه الضائقة الاقتصاديّة والتردّي الاجتماعي والخلقي أن تبادر إلى معونتنا وتكون حاميتنا،

    فلنستعمل الوسيلة العمليّة التي فرضتها وهي صلاة الورديّة بخشوع وورع. فنتأمّل جيّدًا بأسرارها التي هي موجز لحياة يسوع وأمّه، لكي نستطيع أن نقتدي بهما. فنكون قد حقّقنا غاية التأملات؛ يقول القدّيس أغوسطينوس: “إنّ خير تكريم للقدّيسين. إنّما هو الاقتداء بفضائلهم”.

    ولا نخف من إذاعة هذه الصلاة ونشرها، ومن تشجيع من نجد فيه آذانًا مصغية لاقتبال نصيحتنا. فالورديّة التي تتلى بروح التوبة، تجذب الكثيرين لإتمام واجباتهم الروحيّة. فعندئذٍ نحصل على نعمٍ كثيرة خصوصيّة وعموميّة، زمنيّة وروحيّة.

    لنصلّ دائمًا المسبحة الورديّة، وتحت رعاية أمنا العذراء وملكتنا وبروح الندامة الصادقة. ولنتأمّل في كلّ سرّ من أسرارها سيّدنا يسوع المسيح طريق الحقّ ونور العالم. وعندما نعرفه حقّ المعرفة فلا نفتّش إلاّ عن السلام الحقيقيّ الوحيد “سلام المسيح في مملكة المسيح”.

    صلاة:

    أيّتها العذراء مريم، يا سلطانة الورديّة المقدّسة، يا من تحقّقت فيك جميع النبوءات وتحقّق وعد الله للبشر. فتشرّفت بحمل الإله مخلّص العالم وقدس الأقداس، وكنت له أمًّا حنونة رافقته طوال حياته على الأرض: فرحت بفرحه وحزنت بحزنه وتمجّدت بمجده.

    استحققت أن ندعوك شريكة في فداء العالم وخلاصه. فكنت أمًّا لجميع البشر منتَخَبة من الله لتكوني رسولة محبّة وسلام لأبنائه، تحقّقين رغبته وهي إنهاض البشر من الخطيئة وإزالة روح الشرّ من النفوس. أدركت سرّ الفداء فكان خلاص البشر عنوان رسالتك الطويلة وأسرعت بكلّ غيرة لإنقاذ أولادك من براثن الخطيئة. كيف لا! ولأجل ذلك تألّم ابنك ومات وتألّت معه. كانت جراحاته تطعن قلبك الطاهر الذي ما برح ينـزف دمًا بسبب خطايا العالم ومعاصيه، هذا العالم الذي يميل نحو الشرور ويسير بعكس إرادة الله ومشيئته.

    ولكنّكِ الأم الشفوق الغيورة على خلاص أبنائك لا تريدين أن يهلك أحد منهم، فكانت ورديّتك التي تجسّد محبّتك لنا، سلاحًا لمحاربة الشرّ، عندما أصبح العالم ينهار رازحًا تحت نير الخطيئة.

    نسألك أيتها الأم العطوف أن لا تدعينا نهلك وكوني لنا العون الدائم، واطلبي لنا من الله الرحمة والصفح عمّا فعلت أيدينا من مآثم. وكما استمعت لتضرّعات القدّيس عبد الأحد نسألك أيضًا أن تقبلي تضرّعاتنا، وتساعدينا أن نسير على خطاه، فنجعل من ورديّتك المقدّسة سلاحنا الدائم ضدّ كلّ الأخطار وتجارب الشرير. فنصلّيها بكلّ خشوع وحبّ لكي نستحقّ أن ننال بها شفاعتك وحبّك وحنانك وعطفك.

    أيتها الأم الرؤوف كوني دومًا معنا ليكون السلام في بيوتنا ومجتمعاتنا، سلام المسيح الذي أحبّ العالم محبّة لا متناهية، فدفع ثمن خلاصه دمه وحياته.

    اجعلينا يا مريم أن نسلك طرق الربّ القويمة وكوني شفيعتنا رغم تناسينا لك، لأنّنا ضعفاء، قوّينا بقوّة الروح القدس الذي حلّ عليك، فنكون رسلاً وشهودًا لكلمة الله القدّوس نحملها في قلوبنا وتكون الوحيدة على ألسنتنا لأنّ لا شيء أرفع وأسمى وأقدس منها.

     عرّفينا يا أمّنا حقارة الأرض وبهاء السماء، لندرك مدى السعادة التي تنتظرنا. فيكون هذا العالم فقط مسرح جهاد يوصلنا للملكوت حيث السعادة الحقيقيّة بقرب خالقنا. فنستحقّ أن نشاهد مجده وعظمته، ويكون لنا شرف تسبيحه وتمجيده برفقة الملائكة والقدّيسين إلى دهر الدهور. آمين.

    من كتاب: الورديّـــة نشأتها وتاريخها (دورُها وأهميّتها في الحياةِ الرّوحيّة)

    Comments

    comments

  • القديس عبد الأحد والوردية

    القدّيس عبد الأحد والورديّة

    إنّ صلاة المسبحة، قديمة العهد، على ما ورد في كتابات المؤرخين القدامى.
    إذ إنّ المسيحيّين في القرون الأولى، كانوا يستعملون الحبل المعقود عقداً معدودة، في عدّ أعمالهم القوية، فينقلون إبهامهم، على العقدة تلو الأخرى.
    ولما تأسست الأديرة والرهبنات، من القرن الرابع وصاعداً، كان الرهبان يصلّون الفرض مشتركين، وكان يقتصر على تلاوة الصلاة الربية “الأبانا” و”السلام الملائكي” وترتيل المزامير الداودية، البالغ عددها مئة وخمسين مزموراً. وكان الرهبان الموكلين للعمل في الأرض معفيين من ترتيل المزامير إذ كانوا يستعيضون عنها، بتلاوة الصلاة الربية ثم مئة وخمسين مرة السلام الملائكي، مستخدميتن الحبل المعقود بمئة وخمسين عقدة.

    إذاً إنّ صلاة المسبحة هي من وضع بشريّ، إلى أن تدخلت العذراء مريم، بظهورها الشهير، على القديس عبد الأحد، فشدّدت على هذه الصلاة، واختارتها كصلاة مرضيّة لدى الله، ومحبّبة إليها.

    ولد القدّيس عبد الأحد في إسبانيا سنة 1170 وتوفي سنة 1221.
    أنشأ صلاة الورديّة في فرنسا، وذلك بإيحاء من السّيّدة العذراء، وبها ردّ من الخطأة إلى الله شعوباً لا تحصى.

    كان القدّيس عبد الأحد، شغوفاً منذ صغره في إكرام العذراء مريم. وكان يمتلئ غيرة، حارب بها بدعاً كثيرة، وهرطقات ظهرت على أيّامه، وخصوصاً بدعة “الألبيجازيين” التي تفشّى من جرّائها أوبئة مخلّة في الآداب، بحيث لم يستطع وحده صدّ التيّار الملتوي بما في ذلك من خطر على الإيمان.

    فالتجأ إلى مغارة على مقربة من مدينة “تولوز” في فرنسا، وصار هناك يتضرّع إلى الله، ويطلب منه بشفاعة العذراء مريم، أن يُساعده في إيجاد علاج لهذا الوباء.

    وبعد ثلاثة ايّام من الصّوم، والتقشّف والصّلاة والإبتهال إلى العذراء المجيدة، تلطّفت عليه وتراءَت له، وأشارت إليه بأن يتّخذ صلاة الورديّة دواءً شافياً لعصره، وسلاحاً كافياً لردّ كلّ أعداء الكنيسة.

    القديس عبد الأحد والوردية

    القديس عبد الأحد والوردية

    أمّا ظهور العذراء لعبدها الأمين على حسب ما رواه المؤرّخون، فكان على هذه الصّورة:
    كانت العذراء سيّدة جميلة جدّاً، ومعها ثلاث سيّدات، كلّ واحدة منهنَّ معها خمسين فتاتاً بثياب مختلفة.
    السّيّدة الأولى، تلبس مع فتياتها ثياباً بيضاء، عبارة عن خمسة أسرار الفرح.
    السّيّدة الثانية، تلبس مع فتياتها ثياباً حمراء، إشارة إلى خمسة أسرار الحزن.
    والسّيّدة الثالثة، تلبس مع فتياتها ثياباً مذهّبة، علامة لخمسة أسرار المجد.

    بعد أن تلقّى القدّيس رسم هذه الصّلاة من العذراء، رجع حالاً إلى مدينة “تولوز” وأخبر الجميع ما حصل وما رأى في خلوته.

    بعد ظهور العذراء على عبد الأحد، عمل على تنسيق هذه الصلاة، فدُعيَت بصلاة الورديّة، أو “المسبحة الورديّة”، وعمل كثيراً على نشرها بين المؤمنين بكل حماس وغيرة.

    أيّها القدّيس عبد الأحد، كاهن الله والأب المجيد، يا من كان صديقًا وابنًا حبيبًا ومديحًا مقرّبًا للملكة السّماويّة، وقد صنعت آيات وافرة مستعينًا بالورديّة المقدّسة، إبتهل من أجلنا إلى ملكة الورديّة وابنها الإلهيّ. آمين.

    (منقول من موقع مار أنطونيوس الكبير)

    Comments

    comments

أقرأ المزيد
  • الاستسلام للمسيح

    الاستسلام للمسيح (تأمل روحي)

    “إحفظني يا الله لأني عليك توكلت. قلت للرب أنت سيدي”

    هل جربت يوم ما الاتكال على إنسان؟ هل وجدت أحدا يّركن عليه في هذا العالم، هل تشعر بحمل كبير، هل مشاكلك تجدها لا حلّ لها، عندما سؤل بطرس لمن يذهب قال “يا رب إلى من نذهب. كلام الحياة الأبدية عندك”(يوحنا 6- 68).

    هو علم تماما أن الإتكال والإستسلام للمسيح هو الحل الوحيد والجذري لكل مشاكل الانسان وهمومه لهذا قدم لنا بطرس ثلاث إختبارات من خلال الإتكال التام على المسيح.

    1- الإتكال وسط الضعف:
    “يا الهي نفسي منحنية في. لذلك أذكرك من أرض الأردن وجبال حرمون من جبل مصعر” (مزمور 42- 6).
    في وسط الضعف الكامل وعندما تخور قواك الجسدية والفكرية، إتكل على المسيح سلّم له أمرك وستجد أنه حاضر لانتشالك من وسط أتون النار المهلك.

    2- الإتكال وسط النصرة:
    “طوبى لأناس عزهم بك. طرق بيتك في قلوبهم” (مزمور 84- 5)
    حتى لو كنت منتصرا وتشعر في التقدم الروحي إجعل كل اتكالك على المسيح، سلّم دفة القيادة له فهو سيجعلك في أعلى قمة الانتصار الروحي، عندها تكون في حالة الاستسلام الكامل للمسيح.

    3- الإتكال وسط العبادة:
    “واحدة سألت من الرب وإياها ألتمس أن أسكن في بيت الرب كل أيام حياتي … لأنه يخبئني في مظلته في يوم الشر” (مزمور 27 – 4).
    وأنت تعبد الله القدير بانسحاق وطاعة، وأنت تعبد المسيح وتتفرس بجماله، إتكل عليه فهو يحميك من كل فكر شرير يأتي وسط العبادة أعلن له الاستسلام الكامل بلا هوادة.

    “طوبى للرجل الذي جعل الربّ متّكله ولم يلتفت الى الغطاريس والمنحرفين الى الكذب” (مزمور 40 – 4).

    Comments

    comments

  • لماذا؟ (تأمل روحي)

    لماذا؟ (تأمل روحي)

    لماذا الله لا يتدخل بحياتي؟؟؟

    لأنك لم تفتح له قلبك بعد، لأنك تصرخ إليه ساعدني وبنفس الوقت لا تسمح له بالدخول بل تركته واقفاً على باب قلبك يقرع كغريب ما، والغريب لا يتدخل بحياتك الشخصية.
    لأنك فتحت قلبك له، ولكن جعلته ضيف، مجرد ضيف عادي، وأنت تعرف جيداً بأن الضيف لا يتدخل بأمور البيت.
    لأنك لم تجعله بعد سيد بيتك، سيد قلبك، سيد حياتك.
    إجعله سيّد وانظر ماذا سيفعل هذا السيد بك، امور رائعة لن تصدقها عينيك. تشجع وإجعله السيد.

    لماذا الله لا يجيب على صلواتي؟؟؟

    لأن الصلوات التي تطلبها ربما ليست لخيرك، انت قد تراها لخيرك أما الله فيراها بنظرة مختلفة فثق بنظرة الله لأنه يعرف خيرك أكثر منك.
    لأن الصلوات التي تطلبها ربما لم يحن وقتها بعد، انت اطلب واقرع ولكن أترك الوقت لله فهو يعرف أكثر منك متى الوقت المناسب لتحقيقها لأن عندئذ تكون لبنيانك.
    لأنه حققها بطرق مختلفة عما قد طلبته، لأنك ما زلت تنتظر الطريقة التي تريدها أنت، ما زلت تريد أن يحققها لك كيف أنت تريد. ومن قال لك أن الطريقة التي تنتظر فيها هذا الطلب هي الأصح. أطلب وأترك الطريقة للرب، قد يحققها بأسلوبك ولكن قد يحققها بأسلوب آخر فلا تفرض عليه أسلوبك الخاص، ثق بأن لديه الحكمة أكثر منك.

    لماذا لا أقدر أن أتقبل عيوب الآخرين؟؟؟

    لأنك لا تتقبل عيوبك، وأنت ترفض عيوبك، وغير متصالح مع عيوبك، ولا تصدق بأن لديك عيوبك. لأنك قاس مع عيوبك هذه، ولا تتقبلها. أخي الإنسان لا تستطع تقبل عيوب الآخر طالما أنت قاس مع ذاتك وغير متقبل فكرة ضعفك. كن متواضعاً امام ذاتك وأمام الله وأمام الناس وقل نعم أنا إنسان ضعيف لدي عيوبي وسأحاول بنعمة الله معالجتها.
    لأنك لا تصدق بأن الله يحترم عيوبك، لأنك لا تصدق بأن الله يقبلك مع كل عيوبك. طالما لم تختبر ولم تصدق ولا تؤمن بأن الله يتقبلك مع كل عيوبك، لن تستطيع تقبل الآخر. أخي الإنسان أصرخ لله وقل له خذ عيوبي وأعيد رسمي من جديد لأعود الإيقونة التي تعكس صورتك أنت.

    لماذا لا أقدر أن أحب وأن أسامح؟؟؟

    لأنك لم تختبر بعد حب الله لك، لم تختبر بأنك إنسان محبوب من الله أو من أي أحد آخر. الإنسان الذي لم يختبر بأنه محبوب من قبل أحد لا يستطيع أن يحب أبداً.
    لأنك لا تصدق بأن الله قد سامحك. وطالما لم تختبر غفران الله لك لن تستطيع أن تغفر للآخر. الله لا يريد خطاياك يريد قلبك. ثق انت إنسان خاطئ ولكن محبوب من الله.
    لأنك لم تسامح بعد ذاتك على أخطاء إرتكبتها فكيف تنتظر أن تسامح الآخر على ذلك.. لأنك متمسك بالحق الذي قد يكون شيطان كبير مرات عديدة فلن تستطيع الغفران.
    لأنك تعتبر بأن الغفران هو عملية ضعف فلن تستطيع العفران.

    لماذا لا أنجح بعلاقتي مع يسوع؟؟؟

    لأن العلاقة لا تنجح إلا برضى الطرفين، الطرف الآخر يسوع المسيح يريدك الحبيب بحياته، وانت لا تريده سوى صديق أو رفيق أو أخ أو…. تذكر دائماً العلاقة لا تنجح إلا برضى الطرفين، الحب من طرف واحد لا ينجح، تشجع وإجعله الحبيب بحياتك.

    (منقول)

    Comments

    comments

  • كلام العذراء عن الملاك الحارس

    كلام العذراء عن الملاك الحارس

    صلّوا كثير لملاككم الحارس، لأنه يقف دائما بقربكم ليساعدكم ساعة فساعة ويقودكم على طريق السماء.

    فملاككم الحارس يستطيع كل شيء بواسطتي ويستطيع أن يمنحكم نعما مادية وروحية.

    صلّوا كثيرا: ابتهلوا اليه في جميع دقائق النهار والليل ليدافع عنكم في التجارب وفي مخاطر النفس والجسد.

    فوّضوا أمركم اليه، لأن يسوع وضع بجانبكم ملاكا حارسا ليساندكم ويشجعكم حتى في أشد المحن، اذا ما لجأتم اليه. (24 أيار 1968)

    Comments

    comments

أقرأ المزيد من  تأملات

Facebook Comments

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>

صلاة روحية

يا مار يوسف علمني أن أكون متواضعاً في نجاحي صبوراً في شدائدي غيورا على خلاص نفسي لكي أستحق أن أتمتع برؤيتك في السماء حيث أسبح الهي معك الى الابد الابدين. آمين

اعلان

Facebook